الرسالة 7: التواصل واللاعنف والقوّة
إلى: الزميلات والزملاء في التواصل اللاعنفي
خلاصة
أكتب لكم/نّ هذه الرسالة بصفتي ممارسًا لبنانيًّا في مجال التواصل اللاعنفيّ، ملتزمًا بعمق بالتعامل مع هذه الممارسة بصفتها أداةً للتواصل مع الذات، والتواصل مع الآخر، والتغييرِ الاجتماعيٍّ الجذريٍّ. من هذا المنطلق، أطمح أن أسهم في فتح آفاقِ حواراتٍ حقيقيّةٍ تبحث في كيفيّة توفير مساحاتٍ آمنةٍ في التدريبات على التواصل اللاعنفي؛ خصوصًا بالنسبة للذين واللواتي يواجهون العنف بشكل مستمرّ. إن التواصل اللاعنفيّ ينشد عالمًا يُنصِت إلى كلّ الحاجات ويتعامل معها. بهذه الروحيّة أدعو المدربين والمدرّبات إلى التفكير في كيفيّة تحضير الدروس وتصميم البيئة التعليمية، حفاظًا على نزاهة الممارسة ودعمًا لتعلّمٍ فعّالٍ وآمن يراعي تعقيدَ ديناميات القوة سواء على مستوى الأفراد أو على المستوى الكلّي والعالمي.
كما أطمح، أيضًا، إلى تحفيز النقاشِ حول إمكانيّة ممارسة التواصل اللاعنفي بناءً على رؤية سياسيّة واضحة ووعي أعمق بالبُنى السلطوية وعلاقات القوّة. وأنطلق في هذه الرسالة من الشخصيّ إلى الجماعيّ، لا لتسطير إجابات جاهزة بل من أجل شحذ شرارة الحوار. ولا أدّعي امتلاك جميع الإجابات، لكني أواصل تقييم ممارساتي بتواضع واهتمام.
بعض ما أعرضه في هذه الرسالة قد يتحدّى السرديات السائدة، وقد يبدو غير مألوف. لكن مهما كان الشعور الذي سيتولد لديكم/نّ لدى قراءة هذا النصّ، إني أدعوكم/ن إلى المثابرة على التفاعل والحضور، علّكم/ن تدركون حقيقة ما أنا عليه، مع الأمل بأن نواجه الواقع معًا كما هو.
’’إذا اكتفيت باستخدام التعاطف وسيلةً للحدّ من معاناةِ الناسِ، وتحسينِ علاقاتِهم بعائلاتِهم، دون إلهامهم إلى توجيه طاقتهم نحو تغيير النظم القائمة في هذا العالم، حينها أكون جزءًا من المشكلة، وأعمل على ترويض الناس ليكونوا أكثر سعادةً ضمن النظم نفسها، فيتحول عندها التعاطف إلى وسيلةٍ للتخدير‘‘. - قولٌ يُنسب لمارشال روزنبرغ.
الزميلات والزملاء في التواصل اللاعنفي،
تشكّلت فكرة كتابة هذه الرسالة في صيف 2024 خلال مشاركتي في تدريب دولي مكثّف على التواصل اللاعنفي، حيث وجدت نفسي بين أربعة فلسطينيين واسرائيلي، في وقتٍ كانت تتكشّف فيه وحشيّة الاحتلال وفظائعه في فلسطين. كنتُ في مجتمع أوروبيّ، محاطًا بزملاء وزميلات أوروبيين/ات وأمريكيين/ات، يأتون من مجتمعات تدعم إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر؛1 ماليًّا أو دبلوماسيًّا أو عسكريًّا، أو عبر الممارسات القمعيّة، فضلًا عن تشديد الرقابة2 و إسكات العلماء والصحفيين والفنانين والمحامين وكل من يجرؤ على ذكر فلسطين. لم أشعر في هذا التدريب بالأمان حيال التعبير عن نفسي، وتملّكني الغضب إزاء ممارسة التجاهل وتحيّز المعلومات. وشعرتُ بالألم بسبب غياب الوعي المتعلّق بديناميات القوّة وعدم توازنها. وبالتالي فإن التركيز على ’’الألم المشترك‘‘ والتعاطف في صفوف المتدربين لم يرقَ إلى مستوى تعزيز الوعي بوجوب إجراء تغيير يحقّق العدالة والتحرير داخل النظم العامة. اختبرتُ التعاطف3 بطبيعته السياسيّة مقيَّدًا بأطرٍ عقليّة وثقافيّة. في تلك المساحة بدأت أشكّ في جدوى التعاطف وأرى محدوديّته عند عزله عن الوعي بديناميات القوّة والسياق التاريخي. من خلال هذه التساؤلات بدأت باستيعاب العلاقة العميقة بين التواصل اللاعنفي والتغيير الاجتماعي.
عند أيّ حدٍّ يمكنُ لإنسانٍ أن يبرّرَ قتلَ إنسان آخر؟ يعنيني السؤالُ عن الحدِّ لأنَّ الحدَّ هو المعنى. واجهتُ خلال إحدى التدريبات مفهوم ’’الاستخدام الوقائي للقوّة‘‘5 وقد أثار ذلك تساؤلات عميقة بداخلي.
في طفولتي شاهدتُ على التلفاز واحدة من أوضح تجلّيات عدم توازن القوى: أطفال عُزَّل في مواجهة جنودٍ بكاملِ عتادِهم وأسلحتِهم. سألتُ أبي حينها عن حقيقةِ هذه الحال. أخبرَني يومها أنّ هؤلاءَ الأطفال يعيشون تحت الحصار. طفلٌ أنا، أمضيتُ تلك الليلة أفكر في إمكانيّة تسليحهم ليحموا بالسلاح أنفسَهم. روحُ الطفولة البريئة اللاعنفيّة كانت تفكّر بالتسليح. يومها لم يذكر أبي أبدًا أنّ هؤلاء الأطفال فلسطينيون وأن الجنود اسرائيليون. بعد سنوات، اكتشفت أنّ الصور هذه كانت من الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 - انتفاضة الحجارة.6 لم أعرف حينها شيئًا عن التاريخ. كنتُ مجرّد طفلٍ تعاطف مع أطفالٍ - مثله - لا حول لهم ولا قوّة. اليوم بعد مرور أربعين عامًا، أرى صور الجثث المرميّة في غزة تنهشها الكلاب أو تسحقها الآليات الاسرائيلية. أشعر بالغضب الممزوج بالعار والذنب والحزن والخوف. هذا الغضب يسري عميقًا في داخلي، فالعنف الذي نشهده اليوم ناتج عن جرائمَ ممنهجةٍ دمّرت أرضَنا وأجسادَنا على مدى عقود. ولا أزال أسمعُ عن ’’حقِّ اسرائيل في الدفاع عن نفسها‘‘. كيف انقلب المنطق رأسًا على عقب؟ كيف يمكن لمحتلٍّ7 - لا يزال يحاصر شعبًا في غزة منذ سبعة عشر عامًا - أن يدّعي حق الدفاع عن نفسه في مواجهة هذا الشعب نفسه؟ كيف يمكن التطبيع مع انقلاب كهذا؟ كيف سرقت إسرائيل المبدأ البسيط المتمثّل بالحق في الدفاع عن النفس إلى جانب سرقة الأرض وأشجار الزيتون؟
وُلدت خلال الحرب الأهليّة اللبنانية8 في العام 1978، العام نفسه الذي احتلّت فيه إسرائيل جنوبَ لبنان على مدى 22 عامًا9. واحدةٌ من أولى ذكرياتي مع الخوف كانت في سن الرابعة عند الاجتياح الإسرائيلي لبيروت. اختبأتُ وعائلتي في ملجأ مع الجيران. في لحظة ما أرادت مالكةُ المبنى التي انضمّت إلينا في الملجأ أن تفتحَ الباب بسببِ الحرّ، مما أصابني بالهلع. خشيتُ من أن تفرضَ رأيَها لمجرّد أنّها مالكةُ المبنى. تخيّلتُ عندها جزماتِ الجنود الاسرائيليين تسير في الشوارع فوقنا. هالني الشعور بالخوف من أن يجدنا الجنود. كانت هذه تجربتي الأولى مع الهيمنة بالقوّة،10 أي أن أكون خاضعًا لإرادة مالكة المبنى ولقوّاتِ احتلالٍ حكمت بالعنف والهيمنة.
كنتُ طفلًا حين اعتقدتُ أنّ الدول ’’الصديقة‘‘ مثل فرنسا ستقدّم لنا المساعدة إن عرفت أننا نرزح تحت وطأة قوّة محتلة يمكنها أن تقصفنا ساعة تشاء. لكنّي عندما انتقلت إلى فرنسا من أجل استكمال دراستي صُعقت بأنّ الاحتلال الاسرائيلي للبنان موضوعٌ في إطار الدفاع عن النفس. حاولتُ مواجهةَ انحياز المعلومات من خلال الكتابة لوسائل الإعلام ومن خلال عرض الحقائق والحديث عن القوانين وحقوق الإنسان في كلّ محفل داعم للاحتلال. لكن مع الوقت اكتشفتُ أنني بالغتُ مخطئًا في ثقتي بالقوانين الدوليّة. في الحقيقة تعلّمتُ أن أُسكِت قصّتي وقصّة عائلتي. تعلّمتُ أن أطفئ النار المتأججة في صدري طلبًا للعدالة. أمام تعظيم السرديّة الصهيونيّة الآحاديّة، مارستُ رقابةً ذاتيةً على كلماتي. ما تسمّيه أوروبا والولايات المتحدة ’’إرهابًا‘‘ و’’نزاعًا‘‘ و’’إصاباتٍ مدنيّة‘‘ نسمّيه ’’احتلالًا‘‘ و’’استعمارًا استيطانيًّا‘‘ و’’نظامَ فصلٍ عنصري‘‘ و’’قتالًا من أجل الحرّيّة‘‘. ولا علاقة للتسميات باللغة ودلالاتها، بل يتعلّق الأمر بكيفية تبرير المجازر في فلسطين ولبنان من خلال منظومات من التواصل و ترويج المعلومات المنحازة، التي تُشكّل أساس الإدراك العالمي المُسوق، وتُجرّد مجموعات معينة من إنسانيتها، وتعزز الأطرَ العقليّة والثقافيّة المُقيّدة للتعاطف الفعلي، وتُديم أنظمة الهيمنة.
إن ممارستي للتواصل اللاعنفي منذ العام 2016 ساعدتني في التعامل مع جزء من اللاعدالة التي شعرت بها، كما ساعدتني في التعبير عن نفسي بصراحة أمام زملاء من مختلف الدول. في كل مرة، اخترتُ أن أتواصل مع ما عشته بصدق، وبقلب مفتوح، مختارًا الحياة على الانتقام أو صراعات الأنا. أتاحت لي ممارستي للتواصل اللاعنفي فرصةَ التواصلِ العميق والحصولِ على تعاطف الآخرين في تلك المساحة، ورغمَ ذلك افتقر هذا التواصل أحيانًا إلى مشاركةِ الحقيقةِ الكاملة للتجربةِ المَعيشة، حيث اعترضت طريقه قيود ذهنيّة.
منحني التواصل اللاعنفي مساحةً للتعبير، ولكن عانيتُ في ما يخصّ ردود أفعال الزملاء التحيّزيين أو الذين يفتقرون إلى وعي الخلفيّة التاريخيّة. غالبًا ما سمعت جملًا مثل: ’’الأمر معقّد‘‘ أو ’’أفضّل الحياد‘‘ بهدف إيقاف الحوار. يستفزني سماع كلمات كهذه، مما يدفعُني إلى طرح العديد من الأسئلة على نفسي خصوصًا عندما أتذكّر أننا هنا من أجل تفكيك بنى القوّة وديناميات القمع. في سياق كهذا، ألا يكون الحيادُ اصطفافًا إلى جانب المحتلّ؟ كيف يمكن أن نبرّرَ تجنُّبَ الصراحة في موقعنا من خلال تجاهل الواقع القائم - الذي قد ندعمه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؟ لماذا نطبّع الجهل ونجعلُه أمرًا عاديًا؟ أليس ذلك شكلًا من أشكال العنف؟ لماذا نختار الجهل أو التبسيط بدلًا من الحب؟ ما معنى التعاطف حين يتم تجاهل ديناميات القوة؟ ماذا يحدث للروابط بيننا عندما نرفض مواجهة الحقيقة؟
الأسئلة التي أطرحها في هذه الرسالة، إلى جانب أسئلة أخرى واجهتُها خلال رحلتي في التواصل اللاعنفي، تنبع من حاجات غير ملبّاة تتعلّق بالأمان، والاهتمام، والكرامة للجميع. كما ترتبط بأهمية الاعتراف بقيمة جميع الحاجات المطروحة، والوعي باختلال موازين القوّة، والالتزام بالنزاهة وتحمل المسؤولية.
هذه الحاجات، جنبًا إلى جنب مع الحقائق التي أعيشها، ومع البُعد الروحي للتواصل اللاعنفي بوصفه "اهتمامًا بكلّ أشكال الحياة"، تدفعني إلى إيمانٍ عميق بضرورة حلّ النزاعات انطلاقًا من وعيٍ بديناميات القوّة ومن إدراكٍ لحقيقة "المعاناة المشتركة". إنّ تجاهل ديناميات القوّة هو، بالنسبة إليّ، شكلٌ من أشكال الهروب من التغيير الاجتماعي. فهذه الديناميات تقع في صميم التواصل اللاعنفي كما أفهمه، وهذا الأخير ليس مجرّد أدوات أو ممارسات أو بُعدٍ روحاني. فاحتواء حاجات الجميع يتطلب وعي ديناميات القوّةِ السائدة للعبور الناجح إلى التواصل. إنّ تجاهلَ ديناميات القوّة يؤدي إلى مزيد من الألم لدى الطرفين، كما يؤدي إلى تحليلاتٍ مشوّهةٍ تبرّر العنف وتشرّع أنظمةً سياسيّةً تحوّل جميع الناس - القامعين والمقموعين - إلى ضحايا. فلنحرص على أن يبقى التواصل اللاعنفي ممارسةً للتغيير الاجتماعي، متجذّرةً في هذا الوعي، ومتجسّدة في لحظات العيش المشترك. ماذا يحدث عندما نعجز عن ملاقاة تلك اللحظات بوضوح وأمان؟ وماذا قد يتجلّى إن استطعنا ذلك؟
خلال الجلسة الافتتاحية للتدريب الدولي الذي ذكرته في بداية هذه الرسالة، تمّت الإشارة مرة واحدة فقط إلى وجود مدرّبٍ يمكن للمشاركين من مناطق النزاع الاستعانة به بصفته شخصًا مرجعيًّا. بعد ذلك لم يكن هنالك من متابعة أو اهتمام إضافي في هذا الموضوع. افترضت أن فلسطين كانت مشمولة في تلك الإشارة. لكن، بالنسبة إلي ما يحدث في فلسطين ليس مجرد نزاع. إنه احتلال، واستيطان قيْد التحقيق بتهمة الإبادة الجماعية.11 لم تُقدّم أي أطر إضافية لمقاربة اللحظة الحالية، باستثناء قيام المشاركين الفلسطينيين في إحدى الجلسات المسائية بعرض قصص شخصية عن الحياة في ظلّ الاحتلال، فيما تواصل إسرائيل انتهاك القرارات الدولية والقوانين وأحكام محكمة العدل الدولية وأوامر القبض من المحكمة الجنائية الدولية، تحت ذريعة الدفاع عن النفس. رغم كل ذلك لم يفتح في الجلسة أي حوار حول هذه الانتهاكات أو حول مسؤوليتنا تجاهها.
فلنكن - نحن مجتمعات التواصل اللاعنفي وممارسيه وممارساته - على قدر من الوضوح والتحليل عبر الاعتراف بعدم توازن القوى، والتنبّه إلى الديناميات المتمثلة بالاحتلال والاستعمار الاستيطاني، وتسميتها بصدق، وكشف الطرق التي قد نُسهم من خلالها - بوعي منّا أو من دون وعي - في دعم هذه الديناميات، وصولاً إلى الاعتراف بكلّ الحاجات ذات الصلة.
من مساحة الوضوح والنزاهة تلك، أطرح بعض الأسئلة على منظمي/ات ومدربي/ات التواصل اللاعنفي بصفتهم/نّ ميسّري/ات العمليّة وأتوجّه إليهم/ن ببعض الطلبات، وأخصّ منهم/نّ قادة التدريبات الدولية، تأكيدًا على أن تكون مساحاتنا أكثر عدلاً وأماناً لأولئك الذين يعانون من القمع والحرب والاحتلال.
هل يمكن:
- التواصل مسبقًا مع المشاركين/ات الآتين/ات من مناطق النزاع، خصوصًا في حال مشاركة أشخاص منتمين لأطراف متعارضة، من أجل البحث في حاجاتهم وفي كيفيّة الاستجابة لجميع الاحتياجات المطروحة باهتمام؟
- الإقرار بوضوح، في الاجتماعات والمساحات ذات الصلة، بوجود مشاركين/ات من مناطق النزاع وبديناميات القوّة القائمة خصوصًا في حال الاحتلال والقمع؟ هل يمكن أن تلحظوا وجود أشخاصٍ من الدولِ المحتلّة ومن تلك الواقعة تحت الاحتلال في المساحة نفسها؟
- المبادرة إلى خلق حوارات تتناول اللاعدالة البنيويّة وإلى عدم توازن القوى خلال الحديث عن الألم المشترك، وذلك من خلال تخصيص الوقت والجهد لهذا المسار؟ ما هي منظومة الدعم التي يمكن أن تتوفّر للتعامل مع حالات مماثلة في حال حدوثها؟
- تنظيم جلسات "حداد جماعيّة" متمحورة حول النزاع في ’’الغرفة‘‘، بالإضافة إلى تأمين القيادة الملائمة لدعم تيسير هذه الجلسات؟
- خلق مساحات للسرد القصصي من أجل رفع مستوى الوعي والمعرفة؟
كما أودّ دعوة كل واحد وواحدة منّا - من كاتب هذه الرسالة إلى قرّائها - إلى الإحاطة بالبعد السياسيّ - أعني به البعد العام والجماعي - من خلال اكتشاف الحاجة الملحّة للتغيير الاجتماعي ولو عبر ابتكار أفعالٍ لاعنفية صغيرة نمارسها في إطار تأثيرنا المباشر، و تنطلق مما يحدث راهناً في فلسطين. فلا يمكننا اليوم أن نقف جانبًا أو أن نتجاهل ما يحدث خصوصًا إن وجدنا احتمالًا بسيطًا في أن تكون ممارساتنا داعمة لحدوثه بشكل مباشر أو غير مباشر. إنّ تجاهلنا أو وقوفنا جانبًا يعني نكران حقيقة أنّ التغيير الاجتماعي يبدأ في نطاق تأثيرنا في دوائرنا الصغيرة. دعونا نحترم - دون غموض - كل البشر، ومُثل العدالة والتغيير حين نواجه الاستعمار والعنصريّة.
بصفتنا ممارسين وممارسات للتواصل اللاعنفي، نحن مؤتمنون على ممارسة دور حاسم في تحرير أنفسنا من التكيّف السلبيّ، وعلى التواصل مع الآخرين بتعاطف، وعلى المساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعيّة على حدّ سواء. أتوق إلى أن تقع الأسئلة التي أثرتُها في هذه الرسالة - بالإضافة إلى غيرها من الأسئلة المرتبطة بسياقات وحقائق مماثلة - في صلب المحافل الدولية والجهود المبذولة لبناء مجتمعاتنا، بحيث تسهم مجتمعات التواصل اللاعنفي في إعادة تشكيل الإنسانية بوضوح ونزاهة ووعي سياسي. لا أريد أن أرى العالم يفقد مستقبله في الجنوح نحو العنف. التواصل اللاعنفي يدفعنا إلى التصرّف وإلى تحدّي الهياكل القمعيّة. هكذا نكرّم كلّ الأرواح اللاعنفيّة؛ من رحل منها، ومن مازال حيًّا، ومن أسُكِتَ صوته.
***
أتوجّه بجزيل الشكر والامتنان إلى كارولين نانزر وكاترين فريهليش وجيف كرم وجُنيد سريّ الدين ولميا أبي عازار وليڤ لارسون ولي آن كينغ على دعمهم الكريم، وملاحظاتهم القيّمة، واهتمامهم في تحرير هذه الرسالة في مراحل مختلفة من كتابتها.
↩1 مجتمعات التي تدعم اسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر:
- الولايات المتحدة الأمريكية أنفقت 17.9 مليون دولار على التسليح العسكري لإسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 حتى أوكتوبر 2024.
- استخدمت الولايات المتحدة حق النقض 49 مرة ضد مشاريع قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بإسرائيل.
- الاتحاد الأوروبي هو ثاني أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة. لدى الاتحاد الأوروبي نظام يطبّق حظر الأسلحة لكنه رفض تطبيقَه على إسرائيل. تموّل ضرائبُ الأوروبيين حاليًا الشركاتِ التي تسلح إسرائيل.
- على مدى عقود، حافظ الاتحاد الأوروبي على علاقات وثيقة مع إسرائيل وعاملها على أنّها دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي بحكم الأمر الواقع، حتى مع توسيع احتلالها العسكري غير القانوني لفلسطين ومع شن حروب وتنفيذ غزوات في كثير من الأحيان على الأراضي المجاورة.
↩2 الرقابة
- تهديدات عالمية لحرية التعبير عن الصراع في غزة تستهدف الصحفيين والمتظاهرين والناشطين والفنانين وما إلى ذلك.
- إسكات الأصوات الناقدة ساهم في خلق بيئة متساهلة إلى حدٍّ بعيد مع الفظائع الجماعية المرتَكَبة في فلسطين منذ أكتوبر 2023.
- منذ أكتوبر 2023، زادت الرقابة الفنية بشكل كبير، مما يهدد الحرية الإبداعية للفنانين في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
- تُسكت سياسات وممارسات ميتا الأصوات الداعمة للفلسطينيين والحقوق الفلسطينية على منصتي فايسبوك وانستاغرام.
↩3 التعاطف بطبيعته السياسيّة
↩⁴ حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها
- ألم تسمعوا صوت هند رجب؟
- هكذا تدافع إسرائيل عن نفسها من خلال معاقبة شعبٍ بأكمله بالتجويع، وبتدمير جميع وسائل بقائه (المستشفيات والمدارس والجامعات وما إلى ذلك)، وبقتل وإصابة أكثر من 200000 منه منذ أن هاجمت غزة في أكتوبر 2023. خلف هذه الأرقام تعيش قصصُ بشرٍ مثلنا.
↩5 الاستخدام الوقائي للقوة
↩6 الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 - انتفاضة الحجارة
↩7 محتلٌّ
↩8 الحرب الأهليّة
شهد لبنان حربًا أهليّة منذ العام 1975 حتى العام 1990، كانت عواملُ خارجيةٌ واعتباراتٌ جيوسياسيّةٌ وقودَها.
↩9 22 عامًا من احتلال جنوب لبنان
غزت إسرائيل بيروت عام 1982 واحتلت أجزاءً من جنوب لبنان حتى العام 2000. انسحبت من لبنان في العام 2000 باستثناء عدد من المواقع التي استمرّت في احتلالها. ثمّ شنّت هجومًا كبيرًا على لبنان في عامي 2006 و 2024 وأعادت احتلال بعض المناطق الحدوديّة.
↩10 الهيمنة بالقوّة
فائض القوّة هو شكل من أشكال التسلّط القائم على السيطرة والفوقيّة والإكراه، حيث يمارس شخص ما أو مجموعة معيّنة السلطة على الآخرين غالبًا من خلال القوة أو التسلسل الهرمي أو الهياكل النظامية. يعمل فائض القوّة بناءً على الإيمان بالنقص والمنافسة، والحفاظ على السيطرة من خلال الخوف أو العقاب أو الاستبعاد.
↩11 احتلال، واستيطان قيْد التحقيق بتهمة الإبادة الجماعية
- أمر الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية في عام 2024 بستة إجراءات مؤقتة بما في ذلك إيقاف إسرائيل عن الأعمال بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، ومنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على الإبادة، واتخاذ تدابير فوريّة وفعّالة لضمان تقديم المساعدة الإنسانية للمدنيين في غزة. ومن الأمور الحاسمة أيضًا أن المحكمة أمرت إسرائيل بالحفاظ على أدلة الإبادة الجماعية وبتقديم تقرير إلى المحكمة، في غضون شهر واحد، عن جميع التدابير المتخذة وفقًا للأوامر الاسرائيليّة.
- في العام 2024 أيضًا، أصدرت محكمة الجنايات الدولية (ICC) أوامر اعتقال بحق اثنين من كبار المسؤولين الإسرائيليين، بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ويوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، محمّلةً إياهما مسؤولية جرائم الحرب المتمثّلة بالتجويع، والجرائم ضد الإنسانيّة المتمثّلة بالقتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانيّة التي تُمارَس في غزة.